
في بداية القرن العشرين و بالتحديد في عام 1899 أصدر قاسم أمين كتاب بعنوان " تحرير المرأة " وأثار كتابه الكثير من الإنتقادات و هاجمه العديد من رموز المجتمع كان علي رأسهم الزعيم الإقتصادي طلعت حرب و كذلك رجال الدين و المحافظون .. و لكنه قام بالرد عليهم في كتاب آخر بعنوان " المرأة الجديدة " و ذلك في عام 1906 أي قبل عامين من وفاته .. و كان هذا الكتاب بمثابة شرارة البدء في ظهور الحركات النسائية التي تطالب بتحرير المرأة ... و بالتأكيد اختلطت المفاهيم .. و بغض النظر عن محتوي كتاب قاسم أمين و الغرض الرئيسي منه فإن استغلال هذه الشراره أدي الي تطورات سريعة .. حيث بدأت موجه التخلص من الحجاب و زي المرأة المصرية في مطلع القرن العشرين .. و التحول الي ما أطلقو عليه " التحرر " و ظهرت الأزياء العالميه و انحسر زي المرأة المصرية و في الاربعينات من القرن العشرين .. انحسرت نسبة الحجاب الإسلامي في مصر حتي وصلت إلي أدني معدل حيث شكلت ما لا يزيد عن 10 % .. و تفاوتت هذه النسبه تدريجياً في مصر ... وصولاً إلي حقبة السبعينات و الإنفتاح الذي قاده الرئيس أنور السادات . و ظهور الميني جيب و الأزياء العارية ..و مع تزايد نشاط التيار الديني في مصر في السبعينات و الثمانينات .. بدأت عودة تدريجية للحجاب و لكن بشكل مختلف و عصري و ذلك بعد عوده قليل من الوعي الديني حيث نشط الشيوخ في تلك الآونة ...و مع دخول التسعينات عاد الحجاب إلي المجتمع المصري بشكل ملفت في المدن الرئيسية بشكل لم يكن موجوداً في فترة الاربعينات و الخمسينات سوي في القري المصرية النائية ... و الآن تشكل المحجبات ما يقارب أكثر من 85% من النساء في مصر .. و رغم عدم وضوح ذلك في وسائل الإعلام المصرية بشكل واضح أو الوسط الفني .. حيث لا يوجد مذيعة محجبة .و قلما تجد الحجاب يظهر في عمل سينمائي أو تلفزيوني إلا في حالات قليلة ، حيث هيمنة الفكر الليبرالي و إن لم يكن نظاماً حقيقاً للحكم و لكنه يظهر كثيراً في تعامل وسائل الإعلام مع مظاهر التدين المختلفة و كذلك الأماكن الحيوية في مصر و تجد الكثير من الأماكن يمنع دخولها بالجلباب المصري رغم أنها لا تمنع دخول الجلباب الخليجي !.. و نعود للحجاب حيث تعددت النظرات لهذا الزي الإسلامي العربي الذي ظل لقروناً عديدة هو زي المرأة المصرية حتي اندلاع ثورة تحرير المرأه في بدايات القرن الماضي .. و تحول تدريجياً إلي ما يعرف بالحجاب العصري .. رغم اختلافه اختلافاً جذرياً عن الشكل السابق في مطلع القرن ..
الحجاب الإسلامي ظهر في مصر منذ الفتح العربي الإسلامي لمصر 658 م و استمر طيلة الحكم الراشدي و الأموي وصولاً إلي القرن التاسع عشر و حكم أسره محمد علي .. و بدأ في الانحسار تدريجياً ليقتصر علي القري و النجوع و ذلك في ثلاثينات و أربعينات القرن الماضي و اختلفت الرؤي المنطقية للحجاب و البرقع المصري كونه زياً دينياً ام زياً اجتماعياً مصريا ًو منهم من آمن به كزي ديني و منهم من دعاة التحرر من آمنوا بأنه مجرد زي اجتماعي مصري لا علاقة له بالتدين حيث تعددت الرؤي و اختلاف وجهات النظر و الحجاب الإسلامي كفريضة دينية اسلامية تعريفه يكمن في ستر جسد المرأة من الرأس إلي القدمين بحيث يحجب مفاتن المرأه عن الرجل .. ما عدا الوجه و الكفين .. و قد اختلف عليها العلماء و منهم من رأي ضرورة ستر الوجه و الكفين و منهم من رأي عدم اهمية ذلك ..هذا هو تعريف الحجاب الإسلامي .. و عند النظر بنظرة موضوعية الي الفتيات في المجتمع المصري الحالي سوف نكتشف ازدواجيات عديده في عقليتهم حيث نرَ نسبة المحجبات و قد تعدت الثمانين في المائة من الفتيات و النساء في مصر و لكنه لا علاقة له بالتعريف الإسلامي للحجاب و بالفعل هناك حالة عامة من الجهل الحقيقي بهذه الفريضة و لا أتحدث هنا عن غير المحجبات حيث أنهم خارج اطار هذا المقال و انما أتحدث عن فتيات مصر اللاتي يرتدين ما يعتقدن انه (حجاب) فثقافة هذا الزي يكمن في تغطية شعر الرأس و شكراً !...و تظن الكثير من الفتيات بالفعل بأنها بذلك تؤدي ما عليها من فريضة الحجاب و أنها بمجرد تغطية شعر الرأس فقد أدت ما عليها و من حقها ارتداء الجينز و الملابس الضيقه و الشفافه أحيانا بلا حرج .. ولم لا ؟ ... فقد أدت ما عليها و غطت شعر رأسها !
إن هذا المقال عكس ما تتوقعون بأنه دعوة إلي الحجاب فأنا لست بهذه القدرة الخارقة علي اقناعكم بذلك و أترك هذه المهمة للدعاة الجديرين بذلك و لكنه مجرد طرح وجهة نظر عن أسلوب تفكير الفتيات في هذا الزي الذي يتعاملون معه بشكل عجيب .. فالفتاة المصرية تنتظر و بلهفة شديدة اللحظة التي يمكنها فيها خلع الحجاب حتي يمكنها الرقص أمام المرأة في غرفتها الخاصة ، أو حفل زفافها ، أو حضور مناسبة خاصة تحتم الأناقه في الملبس ، أو رحلة ترفيهية مع بعض الأصدقاء ، أو قضاء عطلة الصيف علي الشواطيء ، و لا أتحدث هنا عن الكل بشكل عام و لكني أتحدث عن الرغبة في حد ذاتها و لا يسعني إلا الاندهاش من تلك الفتاة التي ترتدي الحجاب و هي تطيق ذرعاً به و تنتظر في لهفة أي لحظة لتخلعه بعنف و تلقيه بطول ذراعها في نهاية الحجرة .. إذن هناك خلل في الفكر نفسه ..
الجهل الديني بالحجاب هي أحد أسباب هذه الإزدواجية التي نراها في الشارع المصري .. فتجد فتاة ترتدي ملابس ضيقه تبرز مفاتنها بشكل ملفت و ألوان زاهية و تجد قطعة من القماش الأحمر او الأصفر تزين رأسها و ملفوفة بشكلٍ دقيق علي منابت الشعر حول الرأس بحيث تبرز أكبر مساحة ممكنة من الرقبة والأطراف السفلية من الأذنين كي يظهر القرط ! ..و طلاء الأظافر رغم أنه ينقض الوضوء !..ناهيك عن تربية الأظافر نفسها !.. فهي لا تعي شروط الحجاب لأنها لم تجد من يوجهها إلي ذلك و من الصعب عليها الإقتناع عندما تدرك الحقائق لأنها اعتادت هذا الوضع العجيب .. و هذا يصب في بوتقة أزمة أخري تكمن في تحجر العقلية النسائية في مصر التي ترفض التفكير و تعيش علي الفطره فقط ..
ما أريد الاشارة اليه أيها السادة هو الجهل الديني المنتشر بين الفتيات في مصر و ازدواجيه المعايير بشكل عجيب فتجد المحجبة تتعامل مع الحجاب باعتباره عبئاً بل و أحيانا كثيره تخلعه في المناسبات ..و لا يمكن أن يكون هناك انسان مقتنع بزي ديني معين و يتعامل معه أبداً بهذا الشكل !.. إذن فان كانت الفتاة المصرية غير مقتنعة بهذه الزي الإسلامي .. فلم ترتدية من الأساس ؟.. الإجابه أنه ليس سوي مظهر اجتماعي من أجل زيادة نظرة الإحترام ، الفوز بزوج مناسب ، تحقيق رغبة الوالد او الأخ أو الزوج ، عدم وجود وقت لتصفيف شعرها ... الخ ..و المشكلة الأكبر هي قلة من يدركن ذلك .. أي من يدركن أنهن جاهلات بالشروط الصحيحة فالغالبية العظمي منهن يعتقدن أنهن علي الطريق الصائب – دينياً -و هذه هي المشكلة الأكبر .. و كم من المجادلات أثيرت في ذلك ..
لايضاح ذلك هناك الانواع من المحجبات في عصرنا هذا فهناك المحجبة التي ارتدت الحجاب ارضاءاً للأخ أو الأب أو الزوج و هذا النوع ليس لديه أي وازع ديني و لا يغير حجابها من سلوكها و تصرفاتها فتظل بنفس الشخصية السلبية دينياً في المجتمع وليس لديها أي وجهة نظر من مفاسد المجتمع و مساوئه و فيه هذا النوع نلاحظ تفاوتاً صارخاً و مثيراً للدهشة ما بين الحجاب كمظهر – من المفترض – ديني و التصرفات العلمانية التي ربما تكون اسوأ- نسيباً كمحجبة- ممن لا ترتدي الحجاب من الأصل و هذا النوع تحديداً هو الهدف الرئيسي للأقلام العلمانية و الليبرالية التي تتخذ من هذه النماذج فرصة لا تعوض لاطلاق أسهم النقد للحجاب و اظهاره بشكل يحقق أهدافهم .
نوع آخر من المحجبات فهناك المحجبة التي ولدت لتجد كل البنات محجبات مما ولد لديها شعوراً بأنه زي اجتماعي حتمي – للمحترمات – و لذلك فتجدها تحرص علي كل مظاهر الاحترام الاجتماعي وليس الشرعي فهي لا تمانع مصافحة الرجال رغم حجابها و الاختلاط و التحدث مع مختلف الشخصيات و الناس في اطار من الاحترام العرفي الذي لا يعد محرما في العرف المصري و لكنه حتماً لا علاقه له بالتدين ..و خاصه مع صغيرات السن و وقوعها في المنظومات الاجتماعية التي تحتم الاختلاط مثل الجامعة و النادي و غيرها من المنظومات الاجتماعية الحيوية في مصر بل إنها لا تجد مانعاً من الرقص في الأفراح مثلاً او المناسبات التي تحتوي علي اختلاطات صارخة ..و هذا النوع هو النوع الذي يمثل أغلب المحجبات في مصر في هذا الزمن و خاصه الجيل الناشيء من مواليد أواخر الثمانينات من القرن الماضي .
و هناك نوع ثالث و هي المحجبة التي ارتدت الحجاب او النقاب عن اقتناع ديني بحت و ايمان تام انها فريضة اسلامية فرضها الله عز و جل و هذا التفكير يكون ناتجاً من عقلية متدينة اصلاً تكاد تمارس كافة الفرائض الاسلامية و تدرك جيداً شروط الحجاب الإسلامي و تنفذها رغبة في ارضاء الله عز و جل و دخول الجنة و ايمانها بذلك .. و هذا النوع يعد أقل نسبة موجودة في مجتمعنا و يكونون غالباً من المتأثرين بالدعاة الاسلاميين المنتمين الي التيارات الاسلامية المختلفة .. و هي نسبة أقل من الأنواع السالف ذكرها بكثير ومن أكثر النوعيات التي قوبلت بالنقد و الاتهام من الأقلام العلمانية و الليبرالية باعتبارها عودة الي الوراء أو الجاهلية حسب كلامهم .
ازدواجيه التفكير عند الفتاة المصرية و التناقص العجيب في شخصياتهن هو نتيجة للفوضي التي اندلعت في القرن الماضي مما ولد صراعاَ فكرياً بين متبني الاتجاه الديني المحافظ و بين مناصري التحرر و مما يدعو للتعجب هو أن العلمانيين الذين يدعون للحرية لكل مواطن و تقسيم الحقوق هما أنفسهم يحطمون هذه المباديء بهجومهم الدائم علي الحجاب و علي كافة مظاهر التدين .. و العلمانية هي السائده الآن في انظمة الحكم العربية و إن لم يكن ذلك رسمياً ولكنه ما يحدث ظاهرياً في أكثر من تسعين بالمائة من الدول العربية
اردت فقط أن أوضح من هذا المقال تساؤلاً شخصياً ينمو تدريجياً في مخيلتي مع مرور الزمن و لكن مع بداية الكتابة و السرد تحول الأمر إلي مجرد رغبة في الايضاح و السرد و المناقشة ليس إلا
حقاً إنه مجتمع عجيب !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق